INTERNATIONAL COUNCIL
SUPPORTING FAIR TRIAL and
HUMAN RIGHTS

Registration No. : 2795

Follow us

  • rss
  • twitter
  • facebook
  • youtube
  • instagram

موقع بازفيد يكشف رسالة من زينب الخواجة تروي يومياتها في السجن وابنها عبدالهادي

رسالة زينب الخواجة من خلف القضبان

كشف موقع بازفيد عن أن مريم الخواجة أرسلت له صورًا لمقتطفات جديدة من الرّسالة التي بعثتها أختها زينب في 20 أبريل/نيسان الماضي، من داخل سجن مدينة عيسى للنّساء، تتضمن وصفًا لمعاناتها، مع طفلها عبد الهادي، وعمره سنة ونصف.

ويتضمن المقطع الجديد من الرّسالة النّص التّالي:

"عندما يغفو هادي، أخرج بهدوء من السّرير. أضع سجادة الصّلاة عبر قضبان زنزانتي، بحيث أتمكن من الحصول على بعض الضّوء لأستطيع إنهاء قراءة الكتاب الموجود بين يدي. أضع خطًا تحت جملة: "السّلطة في الدّفاع عن الحرية أعظم من السّلطة النّابعة من الاستبداد والقمع، لأن السّلطة، السّلطة الفعلية، تنبع عن الاقتناع الذي ينتج الحراك". وحين أنهيت ذلك، أتذكر -لا، أغلق عيني، وأعيد إحياء ذكرى، كما يفعل السّجناء غالبًا. لقد أمضيت أشهرًا تلو الأخرى أقلق بشأن كيفية تأثير اعتقالي على ابنتي جود، البالغة من العمر ستة أعوام، ولقد أتى ذلك اليوم أخيرًا. كانت الشّرطة عند باب منزلي، واصطحبتني بعيدًا عنها. أجلستها على ركبتي، وأخبرتها أنه عندما تقومين بأشياء جيدة ومحقة، لا تحتاجين للخوف. أخبرتها أني سأذهب إلى السّجن ولكني سأحملها في قلبي، وأنني سأبقى دائمًا في قلبها. حدقت بي بصمت، وكانت عيناها مغرورقتان بالدّموع. انتهى بي الأمر وأنا أفكر بأنه عليّ الإسراع قبل أن يقتحموا المنزل. عندما فتح زوجي الباب، كنت سعيدة لأن جود لم تستطع أن تلمح عدد عناصر الشّرطة الموجودين هناك. ما لم أتوقعه هو، أنه حين كنت على وشك المغادرة، نهضت جود وقالت: "سأرافقك إلى الخارج". وقفت إلى جانبي وأمسكت يدي. خرجت من الباب وأنا أحمل هادي وأمسك بيد جود. أثناء نزولنا على السّلالم، كان من الصّعب إدراك عدد عناصر الشّرطة المحيطين بنا. كانوا مُسَلحين، ويحملون كاميرات فيديو. مع ذلك، بدا أنهم صغار جدًا، بعيونهم المُسبَلة، ضعفاء جدًا، وعاجزين جدًا. نظرت إلى جود، كانت أكبر شخص موجود في المكان. عيناها مفتوحتان، رأسها مرفوع وكانت تنزل كل درجة بكثير من العزم. هل هذه قوة الحقيقة؟ أن تتجاوز فتاة جميلة، نحيلة، عمرها ست سنوات، عشرات الرّجال والنّساء المُسَلحين، ذوي الزي العسكري؟

"تقرير الحارسة شيخة إلى المسؤول المناوب!" أفتح عيني آملة أن مكبرات الصّوت لم تزعج هادي أثناء نومه. يتقلب كثيرًا ولكنه يواصل النّوم. أواصل قراءة كتابي إلى أن لا يعود باستطاعتي الجلوس على الأرض أكثر. أبتسم، حيث أن هادي، كعادته، يتمدد على السّرير كله ولا يترك لي إلا طرفه. أدخل تحت الغطاء وأتقوقع إلى جانبه، أقبل خديه الممتلئين، وأقول لنفسي: "إنه أفضل رفيق زنزانة على الإطلاق"، وأغفو.

أسمع ضجيجًا، أوامر بصوت عالٍ جدًا، وأرى أضواء الفلوريسنت في الزّنزانة. أنظر إلى هادي، إنه صاحٍ أيضًا. أستطيع أن أعرف أنه خائف، وهو لا يصدر أي صوت. أقترب من القضبان الحديدية، ولكن لا أستطيع رؤية إلا الأشياء التي تم رميها في الممر من الزّنزانة المجاورة. إنها الساعة الواحدة صباحًا. أعانق هادي وأقول له: "أنت شمسي" لجعله يهدأ. عندها، أتوا إلى زنزانتي. "افتحوا الزّنزانة رقم 19!" وإذ بالباب الكهربائي للزّنزانة يُفتَح. سألتهم: "ما الذي يحصل؟". أجابني العناصر: "تفتيش!". أشعر بهادي يتمسك بملابسي. أحتج: "في هذه السّاعة؟ أنتم تخيفون طفلي". يدخل خمسة حراس في السّجن إلى زنزانتي، ويحتشدون في المكان. تسألني إحدى الحارسات: "هل لديك شيء يمكن لنا رمي أغراضك عليه؟". أنظر إلى صورة أبي التي ألصقتها بمعجون الأسنان على الحائط: "افعلوا كل ما تريدون فعله، اعتدنا على رؤية شرطة مكافحة الشّغب تهاجم منازلنا". يحدق هادي بإحدى الحارسات التي كانت تفتش بعض كتب الأطفال الخاصة به، مرتدية قفازات بلاستيكية. أنظر إلى الصّفحات الملونة التي حفظتها جيدًا وأراها تفتش فيها كما لو أنها دليل في مسرح الجريمة. ابني البالغ من العمر عامًا يخبئ وجهه في عنقي. أحمله وأبتعد عن الزّنزانة. أقف في الممر وأنا أهمس الصّلوات في أذنيه.

تقول لي الشّرطية: "نعلم أنّه ليس لديك أي شيء". أحدق بها. يعلمون أن الأشياء الوحيدة التي لا تنتمي إلى هذه الزّنزانة هي ابني وأنا.

بعد مغادرتهم، يمر شريط ذكريات اعتقال والدي أمام عيني. أحاول إعادة هادي إلى النّوم. يغفو، وأجلس بجانب القضبان الحديدية لأكتب هذه الرّسالة.

اسمي زينب الخواجة. أنا ابنة سجين سياسي وأم سجين سياسي. لكن قصتي لم تكن أبدًا عن عائلتي، والألم الذي أحمله ليس ألم أسرة، بل ألم شعب.

خلال زيارة قبل أسبوعين، أخبرني زوجي أن النّظام البحريني أعلن أنه قد يفرج عني وعن ابني لأسباب إنسانية. لم أعرف كيف يجب أن تكون ردة فعلي. الإحساس الأول الذي راودني كان الفشل، لأنه في حال كان كل ما أنجزته هو إنقاذ نفسي وابني، في حين يستخدم النّظام قضيتي كما لو أنها "إنسانية"، عندها أكون قد فشلت. حين فكرت بالأمر لاحقًا في الزّنزانة، تذكرت الأجساد التي رأيتها لمحتجين قُتِلوا. أين كانت إنسانية النّظام عندما أطلقوا النّار على طفل يبلغ من العمر 13 عامًا؟ أسمع صرخات الأمهات حين كنا يزرن قبور أبنائهن. لقد أبقيت هذه الصّرخات في قلبي. أتذكر أصوات ضحايا التّعذيب، التي تصف الأهوال التي لم يكن باستطاعة أحد أن يتصور أنها ممكنة. أتذكر متى تخفت أصواتهم، ومتى تصبح أقوى. وكيف في بعض الأحيان، قد يتوقفون عن الكلام، لعدم استطاعتهم أن يصفوا بالكلمات ما حصل لاحقًا. أعتدت أن أدفن نفسي في ملاحظاتي، غير قادرة على النّظر إلى عيني الشّخص، غير قادرة على أن أرى كل ذلك الألم. أتذكر الدّماء، دماء والدي، دماء آلاف المحتجين المصابين، آثار الدّماء في المنازل لأولئك المعتقلين. أرى كل الأشخاص الأبرياء، المكبلين بالأصفاد. أرى الغضب في عيونهم أثناء مثولهم أمام قاضٍ لا يمتلك روحًا. أسمع الدّفاع بأصوات محاميهم: "إنه مجرد طفل، ليس هناك دليل ضده، دعوه يعود إلى عائلته قبل العيد". أنظر إلى العيون الجامدة للقاضي، وأفكر بعدد الأشخاص الذين حكم عليهم، وبعدد السجناء الذين طردهم من المحكمة بمجرد وصفهم للتّعذيب الذي تعرضوا له. رأيت طفلة وضعت أصبعها الصّغير على حاجز زجاجي يفصلها عن والدها. رأيت المعاناة في عيون والدهال حين اقترب ليلمسها، حابسًا دموعه.

لقد حملت ألمهم، وما زلت أفعل. قضيتي هي قضية شعبي. إن لم يتغير شيء لشعب البحرين، عندها، لن يكون لبقائي في السّجن أو الإفراج عني أي نتيجة عظيمة. أنا أم لديها مهمة. سأحمل طفلي معي وأواصل مساري، بحيث أستطيع أن ألبسه بصمود وأطعمه بكرامة.

أفكر بكل الحكومات الغربية الماثلة بيننا وبين حريتنا؛ تلك الحكومات التي ترانا نعاني من أجل الدّيمقراطية وما تزال تدعم الأنظمة الدّكتاتورية في بلادنا. أتذكر جملة أخرى سطرتها في كتابي: "هي تعظ بأمر وتمارس بمكر أمرًا آخر".

أما بالنّسبة للأشخاص الذين يحاولون مساعدة أي شخص مظلوم، فإني أبعث حبي وامتناني من خلف القضبان".

زينب الخواجة

الزّنزانة رقم 19

سجن مدينة عيسى للنّساء

البحرين

20 أبريل/نيسان 2016

 

وكانت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية قد نشرت في وقت سابق رسالة بعثتها الناشطة البحرينية زينب الخواجة من داخل سجنها في مدينة عيسى بالبحرين.

تطرقت الخواجة في رسالتها إلى كفاح شعب البحرين من أجل الديمقراطية والمساواة في الحقوق، وإلى القمع الذي تعرض له الشعب على يد النظام، إضافة إلى معاناتها داخل المعتقل

وقالت الخواجة في بداية رسالتها “تم اعتقالي قبل بضعة أيام مع طفلي البالغ من العمر عاماً، بعد أن حُكم عليّ بالسجن لمدة ثلاث سنوات في عدة قضايا سياسية، كانت واحدة منها تمزيق صورة حمد، ملك البحرين”

وأشارت الخواجة إلى مرور خمس سنوات على انطلاقة الثورة في البحرين واصفة تلك السنوات بأنها “خمس سنوات من العدوان الممنهج على شعب هذا البلد الذي كانت رغبته الوحيدة هي الحصول على المساواة في الحقوق والديمقراطية”

وأضافت “خمس سنوات من الأعمال الإجرامية من قبل النظام، قتل المتظاهرين السلميين، واعتقال وتعذيب الآلاف”

وأضافت إنها “سنوات مليئة البطولة والشجاعة والتضحية وممزوجة أيضا بالألم والغضب والخسارة”

وأوضحت الخواجة بأن الاستراتيجية الوحيدة للحكومة بعد كل ما حصل هي “مجرد إلهاء العالم عن الجرائم التي تحدث”. مضيفة “إن السلطات وبدلا من الإفراج عن سجناء الرأي؛ فإنها توسّع المعتقلات”

وأضافت الخواجة في رسالتها “هناك حكومات مستعدة لغض الطرف عن معاناتنا ومصافحة أولئك الذين يقمعوننا، ولكني أعتقد أيضا بأن هناك أشخاصا خيرين بما فيه الكفاية في هذا العالم ممن يدركون الصراع المشروع والذين يعجبون بالناس الذين يضحون من أجل الأمل في مستقبل أفضل، والذين لا يمكنهم الوقوف صامتين في مواجهة القمع”

وأملت الخواجة في الختام “أن تجد هذه الرسالة طريقها للخروج من هذا السجن إلى قلوب وأيدي جميع الناس المحبِّة للحرية”