الأوضاع الحقوقية والسياسية في البحرين من سيئ لأسوء
مدارك للاستشارات السياسية والاستراتيجية
تواصل مسلسل استهداف الحقوقيين والنشطاء السياسيين ومؤسسات المجتمع المدني في البحرين حيث المنع من السفر لمعظم الحقوقيين في الداخل واستمرار تقديم المعتقلين منهم إلى محاكمات تفتقر إلى الحد الأدنى من معايير المحاكمة العادلة المنصوص عليها في المواثيق الحقوقية الدولية، وكذلك استهداف ثاني أكبر جمعية سياسية في البحرين وهي جمعية العمل الوطني الديمقراطي ( وعد) حيث رفضت محكمة الاستئناف العليا في جلستها المنعقدة بتاريخ 26 أكتوبر 2017م الطعن المقدم من جمعية وعد وأيدت حكم محكمة أول درجة القاضي بحل الجمعية وتصفية موجوداتها ومصادرة أموالها وإغلاق مقراتها وذلك ضمن حملة استهداف ممنهج للجمعيات المعارضة البحرينية بقصد إسكات كل صوت معارض ومطالب بالحقوق الديمقراطية والتحول الديمقراطي في البلاد
كما نشر حقوقيون بحرينيون في الخارج تقارير حقوقية مدعمة بالأدلة والإحصائيات الموثقة تضمنت حقائق صادمة عن الأوضاع الحقوقية والسياسية في البحرين حيث بلغ عدد المعتقلين القابعين حالياً في سجون البحرين أكثر من 4000 سجين رأي بينهم 12 امرأة مما جعل البحرين تحتل المركز الأول عربياً من حيث نسبة سجناء الرأي إلى عدد المواطنين، وبلغ عدد البحرينيين الذين تعرضوا للاعتقال التعسفي منذ أوائل 2011م إلى أكثر من 12 ألف معتقل، بينهم 968 طفلاً و330 امرأة تعرض الكثير منهم إلى صنوف التعذيب وسوء المعاملة، كما أُسقطت جنسية 471 مواطن بحريني أُبعد بعضهم قسراً إلى خارج البلاد وآخرهم ولن يكون أخيرهم بكل تأكيد المعتقل إبراهيم كريمي الذي قضى حكماً بالسجن لمدة عام قبل ترحيله إلى الخارج في 31 أكتوبر 2017م فيما يقضي آخرون أحكام بالسجن لمدد مختلفة بعضها تمتد لفترات طويلة وسيجري ترحيلهم بعدها إلى خارج البلاد، وبهذه الأرقام تعد البحرين من أكثر دول العالم إسقاطاً للجنسية عن مواطنيها ومن أكثر البلدان إبعاداً وإصدارات لأحكام الإبعاد القسري إلى الخارج
ولقد كان لتقرير ( غرف الموت) الذي رصد انتهاكات جهاز الأمن الوطني في البحرين وكشف أوضاع السجون والذي أصدره حقوقيون بحرينيون في الخارج على صلة وثيقة بما يجري في البحرين وسجون السلطة فيها ، وكذلك الاتهام الذي وجهه هؤلاء الحقوقيون لوزير الداخلية بأنه يشرف بنفسه على عمليات التعذيب، كان لهما تداعيات كبيرة في البلاد إذ سرعان ما تم تنحية رئيس الأمن الوطني عن منصبه وتعيين الرئيس السابق للجهاز بدلاً منه حيث ترددت أصداء التقرير بما تضمنه من حقائق عن انتهاكات مروعة لهذا الجهاز ضد سجناء الرأي على نطاق واسع في خارج البلاد وفي الأوساط الحقوقية الدولية وتناقلتها وسائل إعلام مرموقة ووازنة، خاصة أنه تزامن صدور هذا التقرير مع قرب انعقاد الدورة 36 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مما وضع السلطات السياسية والأمنية البحرينية في حرج شديد أمام هذه الجهات الدولية وأمام الرأي العام العالمي
وفي سياق متصل وتبريراً لانتهاكات السلطات الأمنية ضد سجناء الرأي أدلى الرئيس الجديد للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان سعيد الفيحاني بتصريحات في قناة البحرين الرسمية نفى فيها تهمة التعذيب والمعاملة القاسية ضد السجناء في سجون السلطة مدعياً أنهم يعاملون معاملة حسنة حسب القواعد الدولية لمعاملة السجناء، كما عقد لاحقاً مؤتمراً صحفيا كرر فيه نفيه لهذه التهمة وبرر فيه منع النشطاء الحقوقيين من السفر بسبب التجمهر وسبق له أن تهجم على المدافعين عن حقوق الإنسان ووصفهم " بالخونة" وذلك في تصريحات نقلتها إحدى الصحف المحلية المحسوبة على السلطة وهو وصف مخالف للأعراف الحقوقية المتبعة دولياً، إذ سرعان ما صدر مرسوماً ملكياً بعزله من منصبه ونقله إلى ديوان وزارة الخارجية حيث عمله السابق وذلك بعد مضي 6 شهور من توليه رئاسة المؤسسة المذكورة التي دأبت على الدفاع عن الأجهزة الأمنية البحرينية وتبرير انتهاكاتها لحقوق الإنسان وصل إلى حد تأييد تنفيذ أحكام الإعدام ضد ثلاثة سجناء في يناير الماضي 2017م وهي المؤسسة التي يجمع الحقوقيون في الداخل والخارج على أنها مخالفة لمبادئ باريس بشأن أنشاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، خاصة أن تفاعلات تقرير "غرف الموت " كانت قوية ومؤثرة أحدثت أصداء كبيرة في الخارج مما دفع السلطة إلى اتخاذ قرار عزله وإبعاده عن المؤسسة
ولم تقتصر تداعيات تقرير " غرف الموت" على إزاحة مسئولين عن مناصب أمنية حساسة أو مؤسسات حقوقية تعمل لمصحة السلطة بل شملت أيضا إطلاق سراح ثلاثة نشطاء حقوقيين اتهموا " بالانضمام إلى منظمات إرهابية والتخابر مع جهات خارجية لتنفيذ أعمال إرهابية " حيث تم في22 أكتوبر الماضي 2017م إطلاق سراح الناشطة الحقوقية البارزة ابتسام الصائغ والناشطان الحقوقيان محمد خليل الشاخوري وحسين رضي بعد فترة اعتقال وتحقيق معهم إلا أن الإفراج عن هؤلاء النشطاء الذي هو حصيلة جهود عديدة وحملة مركزة قادها حقوقيون بحرينيون وعرب وأجانب وقوى المعارضة لا يعني إسقاط التهم الموجهة ضدهم إذ هم عرضة لإعادة الاعتقال في أي وقت بتهمة "الإرهاب"، الناشطة أبتسام الصائغ التي اتهمت السلطات بتعذيبها أثناء الاحتجاز وثارت حولها ضجة كبيرة في المحافل والأوساط الحقوقية الدولية، حيث اضطرت السلطة جراء ذلك للاستجابة الجزئية بإطلاق سراحها، لا تزال تواجه المحاكمة في أية لحظة وقد أعقب إطلاق سراح الحقوقيين هؤلاء حدث أخر في سجن النساء بمدينة عيسى حيث نفذت خمس معتقلات في السجن إضرابا عن الطعام ابتداء من 24 أكتوبر 2017م أستمر ستة أيام وهن هاجر منصور حسن ومدينة علي ونجاح الشيخ وأميرة القشعمي وزينب مرهون احتجاجا على ظروف اعتقالهن ومنها الحاجز الزجاجي في غرف الزيارة العائلية، التفتيش المهين، عدم الخصوصية أثناء الزيارة العائلية، عدم الخصوصية أثناء الاتصال بالأهل، الإهمال الصحي، وعدم توفير أسرة ووسائد وأغطية جديدة، عدم توفير المنظفات والأدوات الصحية الخاصة بكميات مناسبة، وسوء المعاملة من عناصر الشرطة ، وبعد اجتماع المعتقلات المضربات عن الطعام مع إدارة سجن النساء بتاريخ 29 أكتوبر ومناقشة مطالبهن توصلن إلى أتفاق يقضي بتحسين ظروف اعتقالهن في السجن حيث وافقت المضربات على فك الإضراب وما يترتب عليه من نتائج، وجرى تحرير محضر بما تم الاتفاق عليه بينهن وإدارة السجن والتوقيع عليه ومن الانتهاكات المشينة لحقوق الإنسان وتحديداً الحق في المحاكمة العادلة هو تقديم مجموعة من المدنيين أمام القضاء العسكري البحريني وذلك خلافاً لأحكام المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلقة بضمانات المحاكمة العادلة وهذه الانتهاكات تتمثل : سرية جلسات المحاكمة في المحاكم العسكرية فيما تقضي المادة بعلنية الجلسات، وسرية تداول المعلومات في المحاكم العسكرية، ورفض المحكمة طلب المحامين استلام ملفات الدعاوي، ومنع المتهمين من التحدث أمام المحكمة عن التعذيب الذي تعرضوا له أثناء التحقيق معهم وبعده وسبق للسلطات البحرينية إن حاكمت مدنيين معتقلين خلال فترة الطوارئ التي فرضتها على البلاد وعرفت باسم " السلامة الوطنية" وذلك في الفترة مابين مارس ومايو 2011م وهي سابقة قضائية إن يقدم مدنيين للمحاكمة أمام القضاء العسكري الذي يختص بمحاكمة العسكريين فقط، الأمر الذي أثار استنكار شديد من قبل القانونيين والحقوقيين الدوليين، وهذه هي المرة الثانية التي يحاكم فيها مدنيين بحرينيين أمام محاكم عسكرية حيث قامت السلطة البحرينية بإجراء تعديلات على القانون العسكري أجازت للمحاكم العسكرية محاكمة المدنيين بشكل عام ومحاكمة الآراء السياسية بشكل خاص حيث مررها مجلس النواب الذي دأب على تمرير مشاريع الحكومة المناهضة لحقوق الإنسان والمقيدة للحريات في أبريل الماضي وقد شملت هذه التعديلات أيضا إن تأخذ المحاكمات طابع السرية مما يمكنها من انتهاك حق المتهمين في محاكمة عادلة