دشتي .. رجل يرسم خريطة مستقبل الحريات بقلم ماجد العلي
ليس سهلاً أن ينبري رجل مثل النائب د. عبد الحميد دشتي في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها أمتنا العربية من طحن وسحق ودمار وقتل يشن على الأحرار فيها من قبل أميركا والصهيونية بأدوات سلطوية قمعية همجية ليقول كلمة حق. مع أن كل فعله هو ممارسة حريته في التعبير عن رأيه وهذا ما كفله له الدستور الكويتي. والرجل القانوني الحقوقي المخضرم الذي يصول ويجول في مجلس الأمة وفي المحافل الدولية يعرف جيداً كيف يبدأ وأين ينتهي. أما كيف يبدأ فقد هاله ما وصلت إليه الأوضاع في المنطقة العربية في خزيها وعارها، ويعرف المسببين والمخططين والمنفذين الذين يستشرسون في افتراس شعوبهم سواء بقمع حرياتهم أو سرقة رغيفهم .. ومن هنا بدأ.
وأما أين ينتهي، فالإجابة لا يملكها أحد حتى هذه اللحظة وإن كان أهل الحق يستشعرونها وكأنهم يرونها.
لقد عزف الرجل عن حياة الرفاهية السياسية والمعيشية، وكل من يعرفه يعرف أن بإمكانه أن يعيشها بالطول وبالعرض، واختار النضال بالكلمة فأوصل صوته ليس فقط إلى من يهمهم الأمر وإنما لكل أحرار العالم، ودون أن يعييه المرض نجح في حربه بشكل لا يستطيع أصدقاؤه وأعداؤه أن ينكروه، شاء من شاء وأبى من أبى.
وكما قال أحد زملائه الذي فضل أن يكون في العتمة حفاظاً على ما تبقى له من حرية أو ربما لأن له دوراً ما في تسوية المشكلة التي خلقتها دعاوى السعودية والبحرين وتلقفها النواب الإمعات لرفع الحصانة عنه، وبلغت بهم الوقاحة إلى حد التصويت على رفض كتاب اعتذار بداعي المرض، ووصل الأمر بأحد النواب وهو معروف بخسته إلى التلويح باغتياله، قال هذا الزميل: "إن دشتي الآن يرسم لوحة مستقبل الشعوب العربية في الخليج بمواقفه وتصريحاته".
وقد يسأل سائل: وأين زملاء دشتي من النواب وغيرهم؟ بعضهم يقول : "إنه يقدر موقفنا .. ويقدر لماذا نتحدث بصمت"!! والبعض الآخر نائم في عسل التزلف والالتحاق والتبعية، أما الآخرون وهم الأكثرية فإن لديهم من الحقد والكراهية ما يضاهي الأنظمة التي تلاحقه ويزيد.
وفي استعارة أخرى لأحد النواب قال فيها: إن مسار الحياة السياسية للنائب د. عبد الحميد دشتي بكلماته النارية وبتصريحاته غير المألوفة في الوسط السياسي الخليجي خارج الكويت هو بذلك وعن قصد يمارس كويتيته ووطنيته. أما " غير المألوفة" حسب تعبير النائب المؤيد لدشتي، فليسمح لنا بها إذ أن غيره ومن النواب المعادين لدشتي وخطه والمؤيدين للأنظمة القمعية قالوا قبل وقت غير بعيد كلمات موثقة يمكن العودة إليها وهي أكثر حدة من تعبيرات دشتي الذي يعرف كيف يختار كلماته السياسية تحت سقف القانون، لكن أحداً لم يلاحقهم ولم يتعرض لهم. إذن يمكن أن نعرف الآن لماذا يلاحق دشتي وتحصى عليه أنفاسه!
ببساطة شديدة فإن كل الدعاوى المرفوعة ضد النائب دشتي سياسية وكيدية وتساهم في تقويض الأسس التي قام عليها الحكم في الكويت بين السلطة والشعب. وما دام الكثيرون يقرون بأن الرجل لم يخرج أبداً عن المتعارف عليه في دولة الكويت البلد الذي يحترم الحريات الشخصية والحريات السياسية ومن حق أي مواطن أن يبدي رأيه فيما يشاء، ودشتي لم يخرج عن هذا العرف الذي يكفله الدستور.
وما دام انتقاده للحكم البحريني تحت عنوان" التعبير عن موقف وعن رأي، وكذلك انتقاده للسعودية من أجل البحرين وسورية والعراق واليمن تحت عنوان " الموقف وحرية التعبير عن الرأي"، فلماذا تتم ملاحقته وإصدار الأحكام الاستباقية بحقه؟
يقول أحد النشطاء كما ورد في تقرير منشور: إن "التعبير عن الرأي في الكويت تقليد متبع منذ استقلالها لا بل منذ وجدت تلك الدولة على خارطة المنطقة الجيوسياسية. وهذا ما اختاره أهلها لها وهذا ما وظفه التاريخ في سياق نشوء الدولة وفي سياق تقاسم السلطة والحكم والمستقبل بين الحاكمين والمحكومين".
بالمقياس العربي تمثل الكويت حالة فريدة من الديمقراطية النسبية والتي تعتبر جنة لحرية التعبير مقياساً بجارتها السعودية أو البحرينية.
ويضيف التقرير : إن قوانين ودستور الكويت تحمي حقوق المواطنين في التعبير عن آرائهم وبالتالي فالحري بنائب يمثل الناس أن يعلن عن رأيه فيما حصل ويحصل في البحرين وفي اليمن بحق شعوب البلدين وهي مواقف ليس دشتي من تسبب بها بل العدوان الظالم لحكومة البحرين على مواطنيها والعدوان السعودي على شعب اليمن، فليس دشتي من سجن آلاف الناشطين السلميين في البحرين بل حكومة البحرين من فعلت، وليس دشتي من غزا اليمن والبحرين بل قوات السعودية هي من فعلت، وليست طائرات النائب دشتي التي قتلت آلاف اليمنيين ولا أمواله من ساهمت في قتل مليون عراقي وسوري على يد الإرهاب بل أموال السعودية هي التي فعلت. وهذا ليس كلام النائب دشتي بل كلام جو بايدن وباراك أوباما ومئات المسؤولين الدوليين الذين منعوا تصدير السلاح إلى السعودية من أكثر من دولة أوروبية احتجاجاً على قصف السعودية لليمنيين فكيف تقبل السعودية فعلاً أوروبياً وكلاماً أميركياً، ولا تقبل ما هو أقل منه من نائب في مجلس الأمة الكويتي"؟
الإجابة بكل بساطة: إن ملاحقة النائب دشتي بسبب تصريحاته ورفع الحصانة عنه سابقة خطيرة ستؤسس لقتل الديمقراطية الكويتية المستهدفة من الدول المجاورة منذ قيامها، ولحرية المواطنين إن لم تبادر الحكومة إلى التراجع عن موقفها .. فالعالم الآن يراقب وله مؤسساته الفاعلة التي تغذي صانعي القرار الدولي .. والخوف كل الخوف على جوهرة الحرية والديمقراطية الكويت!