بيان السفير د.بشار الجعفري المندوب الدائم للجمهورية العربية السورية أمام مجلس الأمن حول الوضع الإنساني والسياسي في سوريا
السيد الرئيس
اسمح لي بدايةً أن أقدم تعازيّ الحارة لصديقي وزميلي العزيز سفير الاتحاد الروسي على الضحايا الذين سقطوا شهداء بالأمس بفعل العدوان الإسرائيلي على مدينة اللاذقية. شهداء روسيا في سورية هم شهداؤنا، الدم واحد والعدو واحد والنصر واحد على نفس الإرهاب. نحن وحلفاؤنا شركاء في استراتيجية محاربة الإرهاب في سورية وفي المنطقة وفي العالم، قولاً وفعلاً
السيد الرئيس
تُدين بلادي العدوان الإسرائيلي الجديد الذي قامت به إسرائيل ليلة أمس على الجمهورية العربية السورية، والذي يأتي استكمالاً لسياساتها العدوانية ومحاولاتها البائسة في تقديم دعم معنوي للجماعات الإرهابية بعد الهزائم المتلاحقة التي مُنيت بها أمام الجيش العربي السوري، وتطهير الأراضي السورية من رجسها، والذي يأتي كذلك تكراراً لانتهاكاتها الاستفزازية المستمرة لاتفاق فك الاشتباك لعام 1974 وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرار 350 لعام 1974
تطالب بلادي مُجدداً مجلس الأمن بالاضطلاع بمسؤولياته في حفظ السلم والأمن الدوليين واتخاذ إجراءات حازمة وفورية لمساءلة إسرائيل عن إرهابها وعن جرائمها التي تُشكل انتهاكاً فاضحاً لميثاق الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي
أريد أن أتوقف هنا قليلاً لأشير إلى أنني لاحظت بأسى وحزن شديدين، ولكن دون استغراب، غياب عاملين مهمين في مداخلة كل من السيدين المبعوث الخاص ومنسق الشؤون الإنسانية. فكلاهما قدما إحاطة حول سورية من الجانبين الإنساني والسياسي، ولكن كليهما لم يتطرقا إلى الدور التخريبي الإسرائيلي في المشهد السوري، وكلاهما لم يتطرقا إلى الإرهاب الذي ينشط في بلادي، علماً إن صديقي العزيز ديمستورا يعرف أننا اتفقنا في جنيف على أربع سلال... أربع سلال كان الإرهاب جزءاً أساسياً منها، ولذلك لا يجوز أن يغيب عن إحاطتي السيد ديمستورا والسيد لوكوك، الإرهاب الخارجي والإرهاب الداخلي اللذين ينشطا في بلادي سورية، على الرغم من أن اسرائيل كما تعرفون هاجمت بلادي مرتين هذا الأسبوع فقط، لكن يبدو أن أحداً من أعضاء المجلس لم يتناهى إلى مسامعه عدواني إسرائيل هذين
السيد الرئيس
إن مستوى تجاهل ما قدمناه إليكم من معلومات طوال هذه المدة، سبع سنوات ونصف، وتشويه الحقيقة الذي وصلت إليه بعض الوفود دائمة العضوية في هذا المجلس، قد بلغ حداً غير مسبوق
أنا هنا لا أفعل مثل ممثلي هذه الدول.. أي أنني لا ألفِّق قصصاً ولا أرمي اتهاماتٍ جزافية ولا أخاطبهم بتعابير بائسة ويائسة غير قانونية، بل أُدينهم من ألسنة مسؤوليهم وأعضاء حكوماتهم. دعوني هنا أُذكِّر زميلي مندوب فرنسا بحديث السيد رولان دوما، وزير خارجية بلاده الأسبق، الذي أدلى به على محطة LCP الفرنسية في شهر حزيران 2013، وأقتبس: "في نهاية العام 2010، كنتُ في مهمةٍ في بريطانيا أي قبل عامين من بدء الأعمال العدائية في سورية، والتقيتُ بمسؤولين بريطانيين بعضهم كان من أصدقائي، وأعلموني بأن هناك شيئاً ما يُخطَّط لسورية"، 2010 أي لم يكن هناك "ربيع عربي" ولا "خريف إفريقي" ولا "صيف آسيوي"... أتابع الاقتباس من حديث السيد رولان دوما: "قالوا لي إن بريطانيا تُعدُّ وتُهيئ، مع شركاء آخرين، لغزو سورية بواسطة جماعاتٍ من المتمردين... إن هذه العملية في سورية قد تم التخطيط لها من زمن بعيد، وتم إعدادها وفبركتها وتنظيمها بهدف واضح جداً يتمثل في عزل الحكومة السورية".. ويتابع السيد دوما "إن كل ما يحدث في المنطقة ومحيطها يتمحور حول العداء لإسرائيل... لقد قالها لي رئيس الحكومة الإسرائيلية نفسه: نحن نحاول التعايش جنباً إلى جنب مع الدول المجاورة، ولكن الدولة التي ترفض ذلك سنستهدفها"، انتهى كلام الوزير رولان دوما. كانت تلك فرنسا ميتران ودوفيلبان وشوفلمان وكانت فرنسا رولان دوما
هذه شهادةٌ واحدة، أضيف لها شهادة أخرى توازيها في الأهمية، هي شهادة الجنرال لورنس ويلكرسون، الذي كان يشغل منصب كبير مساعدي الوزير كولن باول، حيث قال في تصريحات لشبكة "Real News" البريطانية بتاريخ 11/9/2018 أي قبل أيام، وأقتبس: "إن دعاة العدوان على سورية، يبحثون عن أي ذريعة لتبرير عدوانٍ محتمل ضدها، وهي هدفهم الثاني بعد العراق، للوصول إلى هدفهم النهائي المتمثل في محاولة إسقاط الدولة الإيرانية"، ثم أكَّد الجنرال ويلكرسون "إن بلادي مع بريطانيا وفرنسا، لا تملك أي دليل على أن الدولة السورية كانت استخدمت "الأسلحة الكيميائية" في أي وقت مضى، بل إن مسؤولي الاستخبارات الأمريكية، والموجود منهم عملاء داخل سورية بشكل غير شرعي، لم يتمكنوا من إظهار أي دليل يؤكد صدق مزاعمهم، بل على العكس تماماً، فإن الأدلة تشير إلى أن التنظيمات الإرهابية هي من نفذت تلك الهجمات باستخدام أسلحة كيميائية." هذه شهادة أمريكية ثانية ومن جديد هذه كانت أمريكا مختلفة، كانت تلك أمريكا كولن باول والجنرال لورنس ويلكرسون
إن هذه الحكومات أرادت هذه الحرب على سورية بهدف تغيير مواقف وسياسات حكومتها وتغيير هويتها الوطنية والقومية، خدمةً لمشروع شرق أوسطٍ جديد تقوم فيه دولٌ وكياناتٌ ضعيفة ومتناحرة على أسسٍ دينية وطائفية وعرقية ومذهبية، محاكاةً لمشروع يهودية إسرائيل الصهيوني والقضاء على حق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة. القصة كلها فلسطين وإسرائيل
السيد الرئيس
إن الحرص على حياة السوريين يقتضي التعاون مع الحكومة السورية ودعم جهودها للقضاء على آفة الإرهاب، بدلاً من تلاعب عقول مخابر الاستخبارات الغربية لتعويم هذا الإرهاب عبر الترويج لمصطلحاتٍ تضليلية له مثل "المعارضة السورية المسلحة المعتدلة" أو "المجموعات المسلحة من غير الدول" أو "دولة الخلافة الإسلامية" أو "المجموعات الجهادية"... لاحظوا كل هذه المصطلحات لا يوجد فيها كلمة إرهابي إطلاقاً إذاً في سورية بالنسبة لهم لا يوجد إرهاب...توجد معارضة مسلحة معتدلة "معدلة وراثياً" يا سيد ديمستورا! يوجد لدينا أوزبك وتركستان وصينيون وشيشان وكويتيون وسعوديون ومصريون وأوروبيون، ولكن هؤلاء جميعاً هم معارضة سورية معتدلة ومعدلة وراثياً
لنقرأ معاً بعناية التصريحات الصادرة عن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الأسبوع الماضي لمحطة "بي اف ام تي في"، وأقتبس: "إن هجوم الجيش السوري على محافظة إدلب قد تكون له تداعيات مباشرة على الأمن في أوروبا"، وهي عبارة وردت في بيان زميلي المندوب الدائم لفرنسا، قبل نصف ساعة، وأتابع الاقتباس من حديث الوزير لودريان: "بسبب الخوف من تفرق آلاف الإرهابيين المنتشرين في تلك المنطقة، وانتقالهم إلى أوروبا... إن الخطر الأمني قائم ما دام هناك الكثير من الإرهابيين المنتمين إلى القاعدة يتمركزون في هذه المنطقة، ويتراوح عددهم بين 10 آلاف و15 ألفاً، وقد يشكلون خطراً على أمننا في المستقبل"... انتهى كلام وزير خارجية فرنسا. وأنا أسأل مندوبه الدائم بالنيابة عنه: لماذا استمرت الحكومة الفرنسية بتقديم الغطاء السياسي للمجموعات الإرهابية المسلحة في سورية، على الرغم من أن هذه المجموعات هي نفسها التي ارتكبت الهجوم على مسرح "باتاكلان" في باريس؟؟...
أما المثال الثاني فهو يهم الزميلة ممثلة هولندا. كما تعلمون، أيها الزملاء، قام وفدنا منذ أيام، باطلاعكم على معلوماتٍ خطيرة نشرتها وسائل إعلام هولندية، بشأن تورط الحكومة الهولندية في تقديم الدعم والتمويل والمساعدة اللوجستية لعددٍ من الجماعات الإرهابية المسلحة في سورية، على الرغم من أن المدعي العام الهولندي قد صنَّف بعض هذه الجماعات ككياناتٍ إرهابية مرتبطة بالسلفية الجهادية!! يعني المدعي العام الهولندي في وادي والحكومة الهولندية في وادٍ آخر! ويحق لنا أن نسأل الزميلة ممثلة هولندا: ألا يشكل تصرف الحكومة الهولندية هذا خرقاً لمسؤولياتها، كعضو في مجلس الأمن، عن صون السلم والأمن الدوليين؟...
السيد الرئيس
أقول لمن ما زال يُكابر في تدخله في شؤون بلادي إننا مستمرون في العمل الجاد لتحقيق الحل السياسي عبر حوارٍ سوري - سوري وبقيادةٍ سورية دون تدخلٍ خارجي، على أن تتصدر مكافحة الإرهاب الأولوية في كافة مراحل وتطورات العملية السياسية، والسعي لعودة اللاجئين والمهجرين السوريين إلى بيوتهم، وإطلاق عملية إعادة الإعمار والتعافي، وتحرير ما تبقى من الأرض السورية من الإرهابيين ومن كل قوةٍ أجنبية محتلَّة وغير شرعية، أريد أن أذكر السيد لوكوك هنا عندما قال أنه يحتاج إلى موافقة الحكومة السورية لإيصال مساعدات إلى مخيم الركبان. غريبة هذه الملاحظة أيها السيد لوكوك؟ لماذا لم تقل إن القوات الأمريكية المحتلة في مخيم التنف هي التي رفضت أن تدخل القوافل إلى الركبان واشترطت أن تفرغوا قوافل المساعدات على بعد عشرة كيلو متر من المخيم، لماذا لم تقل ذلك؟
فيما يخص اللجنة الدستورية، لقد أوفت الحكومة السورية بالتزامها في هذا الشأن، وقال السيد ديمستورا ذلك، حيث قدمت أسماء ممثليها لهذه اللجنة
ولقد عبّرت الحكومة السورية عن شكرها لموقفي روسيا وإيران الصديقتين على الجهود التي بذلها الزعيمان الروسي والإيراني خلال قمة طهران الأخيرة، وترحب الجمهورية العربية السورية بالاتفاق حول محافظة إدلب الذي أعلن عنه بالأمس في مدينة سوتشي الروسية وتؤكد الحكومة السورية بأن هذا الاتفاق كان حصيلة مشاورات مكثفة بين الجمهورية العربية السورية والاتحاد الروسي وبتنسيق كامل بين البلدين. يعني الحكومة السورية ليست آخر من يعلم في هذا المجال ولا يستطيع أحد أن يتجاوز الحكومة السورية على الإطلاق
وإذ تشدد الجمهورية العربية السورية على أنها كانت ولا تزال ترحب بأي مبادرة تحقن دماء السوريين وتساهم في إعادة الأمن والأمان إلى أي بقعة ضربها الإرهاب، فإنها تؤكد على أنها ماضية في حربها ضد الإرهاب حتى تحرير آخر شبر من الأراضي السورية سواء بالعمليات العسكرية أو بالمصالحات المحلية التي أثبتت نجاعتها في حقن دماء السوريين وعودة الأمن والأمان إلى المناطق التي جرت هذه المصالحات فيها، مما ساهم أيضا في البدء بعودة اللاجئين إلى ديارهم
إن اتفاق إدلب الذي أعلن عنه بالأمس هو اتفاق مؤطر زمنياً بتواقيت محددة، وهذا رد على زميلتي المندوبة البريطانية، وهو جزء من الاتفاقيات السابقة حول مناطق خفض التصعيد التي نتجت عن مسار أستانا منذ بداية العام 2017 والتي انطلقت في أساسها من الالتزام بسيادة ووحدة وسلامة أراضي الجمهورية العربية السورية وتحرير كل الأراضي السورية سواء من الإرهاب والإرهابيين أو من أي وجود عسكري أجنبي غير شرعي
ختاماً السيد الرئيس
كلمة لزميلتي المندوبة الدائمة لبريطانيا، فهي طالبت الممثل السوري، كما سمعت من الترجمة الفورية، طالبته باعتباره موجوداً معكم. هي قالت "ماذا يفعل النظام السوري لإيصال المساعدات الإنسانية".. هل هذا سؤال! أنا لا أرى ممثلاً للنظام السوري في مجلس الأمن، ولا في الأمم المتحدة أنا أرى ممثلاً للجمهورية العربية السورية. ولذلك أرجو أن توجه زميلتي مندوبة بريطانيا السؤال لهذا الشخص الوهم الذي أسميناه غودو في المرة الماضية ولا أعرف أين هو موجود ربما خارج هذه القاعة، فلعلها تجد ممثلاً للنظام السوري. في الأمم المتحدة لا يوجد ممثل للنظام السوري بل يوجد وفد دائم للجمهورية العربية السورية
شــــكراً السيد الرئيس